الأربعاء، 29 يوليو 2009

شر الإبل !

(لا يعيش على المداورِ، إلا شر الإبل)
هكذا قالت جدتي، وشاحت بدموعها عني، عندما خبرتْ ما بي، وهي التي لم تجس لي قلباً، ولم تقلب في جسدي كبضاعة مزجاةٍ
استشفت-هي- بنت الزمن: أن مثلي لا يعيش، فالأخيار-كما تظن- لا يعيشون، ولا يُعمرون في هذه الدنيا،
من يومها وأنا أحمل شهادةً موقعة بحُسن ظنها، أنني خير يموت، ولا يتذكره أحدا..

هل يموتُ الخير حقا، ولا يُذكر؟
كثيرون يملكون ذاكرة وفية مع الأشياء الشريرة، تضعف وتتلاشى قدرتهم على تذكر كل ما هو خير، عجيبٌ أمر من ينسون كل شيء، ولا يتذكرون سوى هفواتنا، لا يتذكرون سوى الأشياء التي مسّت أرواحَهُم، وكأنها صُبت فوقهم صباً

يقول صاحبي" الظالمون لا يشجبون سوى ظلمهم"
فلا يتحدث عن القسوةِ، إلا أكثرهم اقترافاً لها، ولا عن الشرِ سوى شرار الناس، ربّما لهذا قال نبينا
"من قال هلك الناس، فهو أهلكهم"
أه لو أن للخير مرآة يتبهرج أمامها
ينعكس على سطحِها
ولو كانت الصورة الناتجة، مختلفة الأبعاد عن الواقع، كل حسب ظنه
لكنه لا يملك مرآة، فهو مثل السراب عند البعض، كلما أدركه تلاشى، وكلما وصل إليه، ازداد يقينا بأنه" اللاشيء"
أو كصورة على صفحة ماء، حصاة واحدة تكفي لتشويهها !

خيرك، كالظل..لن يعتذر أحدٌ يوما، لأنه وطأه بقدم غاشمةٍ
ولن يشعر بالحرج إذا لم يشر له، أو يلقي السلام عليه
خيرك، هو ذاك الأسمر، الذي تنكره عنصرية الشر
لا يعيره اهتماما، سوى ربك
الله وحده من جعل لجانبيك كتابين لا يبغيان، وأمهل أحدهما حتى تئوب
الله وحده من يباهي بك الملائكة، ولن ينزلك يوما إلى درك الشياطين إن أخطأت
فسبحانك يا ربي..لا حق إلاك
وكل ما دونك باطل..

فمال هؤلاء البشر
يحصون علينا كل شيء
أنفاسنا، حركتنا،
يفندون نوايانا
يقلبونها ذات اليسار وذات اليسار !
أطّلعوا على الأفئدة، أم في قلوبهم زيغ


إن السيف، يؤذي..حتى لو لم يطعن، ولم يقطع
يكفي أن يتحرك من غمده
يكفي أن تشهره في وجه أحدهم، عدوانا وظلما
وكذا اللسان، هو لا يقطع رقبة، ولا يقلم إظفرا حتى !
لكنه يطعن القلب، ويصيب الحشى
وإن الكلمة لتهوي بأحدهم من سابع طمأنينة، إلى باطن الأرق
ربما لم نلقي لها بالا حين قولها
لكنها تترك أثرا، يفوق قذائف الهاون
لأن من الأنفس، أنفسا شفافة
لا تحتمل خدشا، أو لهبا
تذوب مثل شمعة تحت سلطان النار
ربما تضيء، لكنها تحترق !


..وكل من مر على هذا القلب
كتب اسمه بسكين ثلم، ومضى
هل كانوا يظنونه حجرا؟
لو صدق ظنهم
فما بقي للقادمين، إلا الحصى !

نعود إلى جدتي، التي تحسن الظن بي كنبي
كان بودي أن أقول لها، كم أنا سليط، ومغفل
أعبيء كلامي بالغضب، وأطلقه على من يطأ أرضي، ولو كان بلا قصد
لكني أعود..أخلع عني قرون التيس
وأبسط أرضي للرائح والغادي..
كان بودي أن أقول، ليس لك الحق أن تحسني الظن بي هكذا
لمجرد أنني أملك قلبا معطوبا، وعودا ناحلا ممصوصا مثل " عود القصب"، كما تقولين !
لا تجعلي ما بدى مني، يكفر ما بطن.. وكوني وسطا

أنا سأعيش ما دام الخير في، وأموت إن نضب
هكذا أدعو ربي، كلما يممت وجهي نحوه !
إني أعرف دائي، فالحزن هذبني ونفى خبثي
وجاء الدور كي تضمحل مادتي الأولية
بعدما انتهى كل شيء..
سوف أصلي يا جدتي، وأدعو ربي دعاء لا ينقطع
سوف أمازحهم إن بغوا علي
وأنا كما عهدتني، عنيد ورأسي صلب
لن أتناول"مخدراتهم" بعد الآن،
لأن بعض الأحزان لا يفلح معها" أومو، ولا رابسو"
ولا أي مسحوق هموم آخر !


جعلت لعراف اليمامة حكمه، وعراف نجد إن هما شفياني
قالا نعم نشفي من الداءِ كلهِ، وقاما مع العُوّادِ يبتدران
فما تركا من رقية يعلمانها، ولا شُربة إلا وقد سقياني
فقالا شفاكَ اللهُ واللهِ ما لَنا، بما ضمنت منك الضلوعُ يدان *

عروة بن حزام







2 comments:

غير معرف يقول...

قرأت موضوعك تو نشره لكني تباطأت جدا في الرد..كان لا بد من تأمل سطوره حرفا حرفا..أي جمال هذا يا ساحر..وزد على جماله كثيرا من الواقعية.
جدتك التي سلمت لك بالطيبة..ربما تعاملك بالمنهج الرباني الذي كلمتنا عنه أواسط النص..
اما اشهار السيف دون الطعن به فليس فقط مؤلم اكثر.. حين نطعن نقتل..نموت.. حين يشهر في وجه قلب صبي يذعر..يفتن بخوفه عن الهرب بعيدا..ومعلوم ان الفتنة اشد من القتل..واسأل محمد الصغير ليخبرك عن طعم الوجع المشترك بيننا..
محمد..لا احب تقديم النصائح لاناس اعرف انهم اكبر مني خبرة وقدرا واعرف اني ادنى من اكون ترابا يدوسونه بنعالهم..محمد..افعل الخير ولا ترمه للبحر..فالبر لا يبلى..
.
.
تعرفني

محمد العرفي يقول...

يسرى
نكتب بصدق، لعلنا نجد قاريء واحد صادق أيضا
تصله الرسالة كاملة
كوني بخير