الجمعة، 17 يوليو 2009

(عبير)

البنت عبير يا أمي.. تعرفينها؛ تقول للقمر قم وانا اجلس مكانك، لكنها مسكينة..الأسبوع الماضي جاء جدها وجدتها وقالوا للمعلم عبده، نريد ابنتنا، نريد لحمنا لكنه انشال وانهبد في الأرض وكان على وشك أن يضربهم( والله عال..جايين دلوقتي عايزين لحمكم، كنتم فين لما وجدناها ملفوفة في خرقة، ملقاة وسط الحقول والنمل ينهش في جسدها) ثم دخل المطبخ وجرى وراءهم بالسكين، لكن الناس توسطوا وارجعوهم مرة أخرى
جدتها يا أمي كانت تبكي وهي تقول للناس(حبة عيني، الفأس وقعت في الرأس ولم يكن بمقدورنا إلا أن نتخلص منها..لففتها في قطعة قماش، ورميتها بيدي هذه التي تستحق القطع، لكني ظللت أراقبها من بعيد عسى أن يتعثر بها أحدهم، حتى اطمئننت أنها عند هؤلاء الناس الطيبين..كنت أذهب إلى مدرستها وأراها من بعيد، حتى كبرت وأصبحت عروسا، ابنتي ماتت العام الماضي ولم يبق لنا من رائحتها إلا عبير، أشيروا علينا الله يستركم)
المعلم عبده بكى هو الآخر يا أمي، أول مرة نرى دموعه، كان يبكي وينهنه مثل الأطفال( عندكم البنت..اسألوها إذا كانت تريد العودة معكم)
ترددت عبير كثيرا قبل أن تخرج من غرفتها، ثم ارتمت في حضن المعلم عبده وزوجته وقالت(لا أعلم لي أهل إلا هؤلاء الناس..أنا لا أعرفكم) صح يا أمي من ربى خير ممن أنجب، والحق يقال أنهم لم يمنعوا عنها شيئا كبيرا كان أم صغيرا، رغم أنهم فقراء وعلى فيض الكريم.
القصد..، عبير يا أمي مثل الوردة، الشوك حولها كثير يمنع الأيادي أن تقطفها، عبير مثل الشمس يا أمي، لا تقوى الأعين أن تطيل النظر إليها
أنا لا أخفي عنك شيئا..نعم كنت أذهب إلى مدرستها، هي تدرس التجارة كما تعلمين، أتتبعها، أشاغلها في الغدو والرواح، يضيق صدري إن سخطت، وتضحك الدنيا إن رضيت، مع الوقت اعتادت على وجودي، وفي يوم تخفيت عنها كي لا تراني، وجدتها مرتبكة، تتلفت يا أمي، تبحث عني في كل مكان، حتى ظهرت لها، فشهقت كأنها رأت عفريتا، عدت في هذا اليوم هائما على وجهي، وقلت في الصباح أصارحها بما في قلبي.. الله يا أمي، لو رأيتِ وجهها الصبوح، وعينيها وهي تدور في خجل، ثم تنحني للأرض عندما أخبرتها، هادئة هي يا أمي، لا يُسمع لها صوتا، عليها هيبة الحزن، ووقار لا يوجد في أقرانها. قالت لي يا عوض لا يعجبني حالك، يجب أن تبحث عن عمل، وها أنذا أعمل الآن وتغيرت حياتي. بنت اللذين قالت يجب أن تتعلم أيضا، وتأخذ شهادة محو الأمية، فككت الخط على يديها، وتعلمت منها النقر على الآلة الكاتبة، والحمد لله ربنا أكرمني بها، لكنها تغيرت فجأة يا أمي بعد زيارة جدها وجدتها، خبى نورها، ليست عبير التي أعرفها، تتهرب مني، تتحاشى النظر إلي
ما الذي غيرك يا بنت الحلال؟
تبكي ولا ترد
متى أتقدم لخطبتك؟
يزداد بكاؤها
أخشى أن أخسرها يا أمي، خسارتها ليست سهلة علي، هل تحبيني يا أمي، ألا تحبين الخير لي؟
ألم تقولي يا عوض، أنت قلبك طيب، عندما يشر على بنت الحلال، لن أتأخر عنك؟
ها هو أبي في المندرة، وأعمامي حاضرون، أخبريهم نيابة عني، أنني أريد أن أتزوجها
ما بكِ يا أمي، تضعي يدك على فمك ولا تتكلمين؟

3 comments:

SomeHalth يقول...

مش بقلك انت بقيت جامد

محمد العرفي يقول...

..
إما إنك حمكشه بصحيح
منا جامد يا واد طول عمري
حد يعدل لي بس ياقة القميص، ويسلفني كوتشي باتا

غير معرف يقول...

ختمت القصة بشبه نهاية..ووضع أمك يدها على فمها وصمتها عن البوح بذاك السر يوجه الخيال الى ختام القصة بفراق..كافرة أنا بالانفصال تحت أي ظرف..
محمد لا يفوتني أن أقول أنك متورط في جرائم القلم حتى الاحتراف
.
.دمت بخير وأحبابك
يسرى